سيد مرعي.. من العزيزية إلى قمة السلطة

 رحلة سياسي صعد سريعًا وندم متأخرًا

يُعد المهندس سيد أحمد مرعي واحدًا من أبرز السياسيين المصريين الذين لعبوا دورًا محوريًا في مؤسسات الدولة خلال مرحلة ما بعد ثورة يوليو وحتى نهاية سبعينيات القرن الماضي. رجلٌ بدأ من أطراف مركز منيا القمح، ليصبح لاحقًا رئيسًا لمجلس الشعب، ومساعدًا لرئيس الجمهورية، وواحدًا من أصحاب النفوذ المقربين من الرئيس أنور السادات.

البدايات.. طفل من منيا القمح إلى قلب القاهرة

ولد سيد مرعي في 26 أغسطس 1913 بقرية العزيزية التابعة لمركز منيا القمح بالشرقية. وفي عام 1919، انتقل والده مع الأسرة إلى القاهرة، ليستقروا في حي العباسية، بينما ظل محتفظًا بأراضيه الزراعية في العزيزية.
كان لدى والده سبعة أبناء، لكن سيد مرعي وحده هو الذي اختار طريق السياسة، ليفتح صفحة طويلة من النفوذ والقرارات المؤثرة.

حصل مرعي على بكالوريوس الزراعة عام 1937 من جامعة فؤاد الأول (القاهرة)، وهو التخصص الذي لعب لاحقًا الدور الأكبر في مسيرته داخل جهاز الدولة، خاصة في ملفات الإصلاح الزراعي.

محطات سياسية بارزة

تقلد سيد مرعي سلسلة من المناصب الحساسة، التي تعكس الثقة التي حظي بها لدى القيادة السياسية على مدار عقود:

• 1952: عضو منتدب باللجنة العليا للإصلاح الزراعي عقب الثورة.

• 1955: رئيس مجلس إدارة بنك التسليف الزراعي والتعاوني.

• 1957: وزير الإصلاح الزراعي.

• 1970: نائب رئيس الوزراء للزراعة والري.

• 1974 – 1977: رئيس مجلس الشعب.

• 1978: مساعد رئيس الجمهورية.

• 1980: رئيس هيئة مستشاري رئيس الجمهورية.

هذه المناصب وضعته في موقع اللاعب الرئيسي في ملفات الأرض والزراعة، وهي الملفات الأكثر حساسية في تلك الحقبة.

معركة انتخابية مبكرة.. ونصيحة قاسية

في عام 1944، ومع تشكيل حكومة أحمد باشا ماهر، بدأ الإعداد لانتخابات قاطعها حزب الوفد. ترشح سيد مرعي في دائرة العزيزية، بينما ترشح الكاتب السياسي الشهير فكري أباظة في دائرة منيا القمح.

فوجئ مرعي بقرار اقتطاع قرية كفر فرج جرجس من دائرته وضمها إلى دائرة فكري أباظة، فغضب وذهب إلى رئيس الوزراء محتجًا.
كان الحوار صادمًا:

• أحمد ماهر باشا: “من أنت؟! أنا لا أعرفك.”

• سيد مرعي: “أنا سيد مرعي.”

• أحمد ماهر: “كيف تقارن نفسك بفكري أباظة؟! أنت ما زلت صغيرًا، وإذا كنت تفكر بهذا الأسلوب فابتعد عن السياسة.”

انتهت المقابلة بفتور، لكن المفاجأة أن مرعي وأباظة نجحا معًا في تلك الانتخابات.

موقف مربك تحت القبة.. ودرس لا يُنسى

في إحدى جلسات البرلمان، تحدث مرعي عن قضايا الملكية الزراعية، فهاجمه بعض النواب بهتاف:
“شيوعي! شيوعي!”

ارتبك الرجل، وتلعثم، ولم يستطع مواصلة كلمته. وبعد الجلسة، استدعاه رئيس المجلس حامد جودة وقال له بحزم:
“لن تكون سياسيًا بهذا الأسلوب. أنت لم تدرس موضوعك جيدًا ولم تدافع عنه بما يكفي.”

لم يتمالك مرعي نفسه وبكى… وكان ذلك أول درس قاسٍ في حياته النيابية.

العلاقة مع السادات.. النفوذ الكبير

ارتبط سيد مرعي بعلاقة وثيقة بالرئيس أنور السادات، وأصبح واحدًا من أكثر رجال السلطة تأثيرًا في عهده.
كما تزوج أحد أبنائه من كريمة الرئيس السادات، ما عزز مكانته داخل الدائرة الضيقة للسلطة.

في فترة السبعينيات، اعتُبر مرعي من أهم صناع القرار، خاصة خلال سنوات تطبيق سياسات الانفتاح الاقتصادي.

اسمه في هتافات الاحتجاجات

في أحداث انتفاضة يناير 1977 (انتفاضة الخبز)، كان اسمه حاضرًا بقوة في هتافات المتظاهرين الذين احتجوا على غلاء الأسعار، ومن أشهر ما رُدد حينها:

“سيد بيه.. يا سيد بيه.. كيلو اللحمة بقى بجنيه!”

أصبح اسم مرعي رمزًا للسلطة في تلك الفترة، سواء أحب ذلك أم كره.

ندم متأخر.. ومراجعات في المذكرات

في سنواته الأخيرة، كتب سيد مرعي مذكرات مؤلمة وصريحة، تضمنت جملة اعتبرت تلخيصًا لمسيرته:

“إنني نادم تمامًا على اللحظة التي دخلت فيها ميدان السياسة.”

وأضاف:

“وأكثر ندمًا على اليوم الذي خطوت فيه إلى الإصلاح الزراعي…
نادم على الكلمات التي قلتها ومضغها الناس، من أننا في عهد جديد يسوده الإصلاح والعدالة.”

كانت تلك المراجعات بمثابة كشف حساب سياسي لرجل عاش في قلب السلطة، وشهد من الداخل ما جعله يتبرأ من كثير مما شارك فيه.

وفاته

في 22 أكتوبر 1993، أسدل الستار على حياة واحدة من أكثر الشخصيات السياسية المثيرة للجدل في تاريخ الشرقية ومصر.