مرتبة الشرف

طه ياسين.. طبيبٌ زاهدٌ في المجد السياسي وعاشقٌ لخدمة الإنسان

يظل الدكتور طه طه السيد ياسين واحدًا من أبرز الرموز الطبية والإنسانية في مركز منيا القمح بمحافظة الشرقية، ليس فقط لخبرته الممتدة في عالم الجراحة، بل لقلبه الذي ظلّ نابضًا بالرحمة ومبادئه التي لم تتزحزح أمام المناصب أو الإغراءات السياسية.

ولد الدكتور طه في 4 يناير 1950 بقرية سنهوت التابعة لمركز منيا القمح، ونشأ بين أسرة بسيطة غرست فيه القيم، وتلقى تعليمه الأساسي في قريته، قبل أن ينتقل لمدينة منيا القمح لاستكمال المرحلتين الإعدادية والثانوية. وفي عام 1975 حصل على بكالوريوس الطب من جامعة القاهرة، ليفتح بذلك بابًا طويلًا من مسيرة مهنية امتدت لأكثر من ثلاثة عقود.

مسيرة مهنية صانعة للأجيال

منذ تخرجه عام 1975 التحق الدكتور طه بمستشفيات وزارة الصحة، متنقلاً خلال ست سنوات بين عدة مستشفيات من بينها الحسينية، الزقازيق العام، بنها العام، وكفر شكر، حيث تدرج من نائب جراحة إلى أخصائي جراحة.

وفي عام 1981 انتقل إلى مستشفى مشتول السوق المركزي، ليقضي بها 29 عامًا متواصلة، بينها 15 عامًا كاستشاري جراحة عامة. وخلال سنوات خدمته، لم يكن مجرد طبيب يؤدي عمله، بل مُربيًا وصانع أجيال، كوَّن فريقًا من الأطباء الشباب الذين تتلمذوا على يديه، وتأثروا بإنسانيته قبل علمه.

عيادته الخاصة.. عنوان الإنسانية والرحمة

افتتح الدكتور طه ياسين عيادته الخاصة في مدينة منيا القمح عام 1979، ومنذ اليوم الأول أصبحت مقصدًا للفقراء قبل القادرين. اشتهر الطبيب المخضرم ببساطة التعامل، ورحابة الصدر، وحرصه على تخفيف تكاليف العلاج قدر المستطاع.
كان يردد دائمًا:
“مصلحة المريض إذا تعارضت مع مصلحتي، أضرب بمصلحتي عرض الحائط”.

لم يكن يجري العمليات الجراحية بمقابل في مستشفى مشتول السوق، بل أجرى معظمها مجانًا، واكتفى بالقليل داخل عيادته احترامًا لرغبة بعض المرضى، وإيمانًا منه بأن مهنة الطب رسالة قبل أن تكون تجارة.

بعد التقاعد.. “حرمت من خدمة الناس”

في عام 2010 خرج الدكتور طه على المعاش، وهو القرار الذي لم يتقبله بسهولة. كان يقول دائمًا بكلمات مؤثرة:
“طلوعي على المعاش حرمني من خدمة الناس”.
ورغم ذلك، واصل عمله في عيادته الخاصة التي ظلَّت ملاذًا للمواطنين، ومساحة وحيدة يملك فيها قراره دون أن يخضع لأي ضغط أو توجيه.

مستشفى تحمل اسمه.. لكن بلا سلطة مباشرة

ورغم وجود مستشفى خاصة تحمل اسمه في المدينة، فإن إدارتها تخضع لمجلس إدارة من عدة شركاء، ودور الدكتور طه فيها محدود، حيث لا يملك سلطة على سياساتها ولا على تفاصيل إدارتها. أما مسئوليته الكاملة فظلت فقط داخل عيادته الخاصة، حيث يمارس الطب كما تعلمه: إنسانية واحترامًا وضميرًا حيًا.


برلماني جاءه الكرسي فسعى إليه الناس.. وتركه زاهدًا

تحت ضغط شعبي عارم، وافق الدكتور طه على الترشح لانتخابات مجلس الشعب دورة 1990 – 1995 كمستقل، فحقق فوزًا كاسحًا عبّر عن محبة الناس وثقتهم فيه.

لكن المفاجأة جاءت ليلة إعلان النتائج، حين أرسل محافظ الشرقية آنذاك اللواء يسري الشامي مندوبًا لاستدعائه. وفي ديوان المحافظة طُلب منه التوقيع على عضوية الحزب الوطني الحاكم. رفض الرجل بشجاعة، لكن المحافظ هدده بأن رفض الطلبات المقدمة منه سيُحرجه أمام أبناء دائرته.
وأمام مسؤولياته تجاه الناس، اضطر للتوقيع، لكن قلبه لم ينضم يومًا للحزب.

انتهت الدورة البرلمانية، فأرسل الدكتور طه استقالته رسميًا على يد مُحضَر إلى قيادات الحزب الوطني، مؤكدًا أن السياسة لم تكن يومًا غايته.

موقف شجاع من التجديد لمبارك

في عام 1993، وعندما كان المجلس يناقش التجديد للرئيس حسني مبارك، أعلن الدكتور طه في حوار صحفي رفضه للتجديد قائلاً:
“لا أوافق على التجديد.. ويكفي الرئيس فترتان”.

تصريح أحدث ضجة كبيرة وصلت إلى وزير شؤون مجلسي الشعب والشورى حينها كمال الشاذلي، الذي انفجر غضبًا عند حضوره للمجلس. ورغم محاولات التهديد، اختار الدكتور طه المواجهة.
تم إرسال أستاذه ورئيس جامعة الزقازيق الدكتور طلبة عويضة لإقناعه بالتراجع، فاستجاب تحت ضغوط قاسية، لكنه اعتبر توقيعه بداية اعتزاله الحياة السياسية.
ومنذ ذلك اليوم لم يعد لحضور الجلسات حتى انتهاء دورته، ورفض بشكل قاطع إعادة الترشح.

الطبيب الذي لم يبدل مبادئه

ابتعد الدكتور طه ياسين عن السياسة، وعاد إلى عالمه الحقيقي: الطب وخدمة الناس.
لم يكن يقبل إملاءات، ولا يخضع لضغوط شركات الأدوية أو أي جهة، وكان يردد دائمًا شعار حياته:
“مصلحة المريض وفقط”.

اليوم، وبعد مسيرة طويلة، يظل الدكتور طه نموذجًا للطبيب الذي جمع بين العلم والضمير، وبين المهنية والقيم، وبين القدرة على اتخاذ الموقف مهما كان الثمن.

يقدم موقع منيا القمح تغطية شاملة لكل ما يهم أهالي مدينة منيا القمح ومحافظة الشرقية، من خلال متابعة آخر الأخبار، وما يقدمه نواب المدينة من مبادرات وخدمات، بالإضافة إلى تسليط الضوء على الخدمات العامة والعملية التعليمية، وتغطية قضايا ومناسبات العائلات، وأهم الحوادث الجارية. كما نهتم بإبراز مواهب ملاعبنا ونجوم اللاعبين، ونتناول أخبار عمد ومشايخ البلد، واحتفالات زغروتة، وتكريمات مرتبة الشرف، إلى جانب مجموعة مختارة من المقالات المميزة.

cards
Powered by paypal

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى